بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.....
ترك الصلاة
قال الله تعالى :
" فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب و آمن و عمل صالحاً " .
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ، و لكن أخروها عن أوقاتها .
و قال سعيد بن المسيب إمام التابعين رحمه الله : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر .
و لا يصلي العصر إلى المغرب ، و لا يصلي المغرب إلى العشاء ، و لا يصلي العشاء إلى الفجر ،
و لا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس . فمن مات و هو مصر على هذه الحالة و لم يتب وعده الله بغي ،
و هو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه .
و قال الله تعالى في آية أخرى :
" فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون "
أي غافلون عنها ، متهاونون بها . و قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال :
" هو تأخير الوقت " أي تأخير الصلاة عن وقتها ،
سماهم مصلين لكنهم لما تهاونوا و أخروها عن وقتها وعدهم بويل و هو شدة العذاب .
و قيل : هو واد بجهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره ،
و هو مسكن من يتهاون بالصلاة و يؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله و يندم على ما فرط .
و قال الله تعالى في آية أخرى :
" يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله ، و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " .
قال المفسرون : المراد بذكر الله في هذه الآية الصلوات الخمس .
فمن اشتغل بماله في بيعه و شرائه و معيشته و ضيعته و أولاده عن الصلاة في وقتها كان من الخاسرين . و هكذا قال النبي صلى الله عليه و سلم :
" أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح و أنجح ،
و إن نقصت فقد خاب و خسر " .
و قال الله تعالى مخبراً عن أصحاب الجحيم :
" ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * و لم نك نطعم المسكين *
و كنا نخوض مع الخائضين * و كنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين *
فما تنفعهم شفاعة الشافعين " .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم :
" العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : " بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة " .
حديثان صحيحان .
و في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
" من فاتته صلاة العصر حبط عمله " .
و في السنن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
" من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله "
و قال صلى الله عليه و سلم :
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله " متفق عليه .
و قال صلى الله عليه و سلم :
" من حافظ عليها كانت له نوراً و برهاناً و نجاة يوم القيامة ،
و من لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً و لا برهاناً و لا نجاة يوم القيامة
و كان يوم القيامة مع فرعون و قارون و هامان و أبي بن خلف " .
و قال عمر رضي الله عنه :
أما أنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة .
قال بعض العلماء رحمهم الله :
و إنما يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة ،
لأنه إنما يشتغل عن الصلاة بماله أو بملكه أو بوزارته أو بتجارته فإن اشتغل بماله حشر مع قارون ،
و إن اشتغل بملكه حشر مع فرعون ، و إن اشتغل بوزارته حشر مع هامان ،
و إن اشتغل بتجارته حشر مع أبي بن خلف تاجر الكفار بمكة . و روى الإمام أحمد "
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله عز و جل " .
و روى البيهقي بإسناده :
" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى في الإسلام ؟
قال الصلاة لوقتها ، و من ترك الصلاة فلا دين له ،
و الصلاة عماد الدين " و لما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له :
الصلاة يا أمير المؤمنين قال :
نعم أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة .
و صلى رضي الله عنه و جرحه يثعب دماً . و قال عبد الله بن شقيق التابعي رضي الله عنه :
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرون من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
و سئل علي رضي الله عنه عن امرأة لا تصلي ، فقال : من لم يصلي فهو كافر .
و قال ابن مسعود رضي الله عنه من لم يصل فلا دين له .
و قال ابن عباس رضي الله عنهما :
من ترك صلاة واحدة متعمداً لقي الله تعالى و هو عليه غضبان .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" من لقي الله و هو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته ـ
أي ما يفعل و ما يصنع بحسناته ـ إذا كان مضيعاً للصلاة " .
و قال ابن حزم : لا ذنب بعد الشرك أعظم من تأخير الصلاة عن وقتها ، و قتل مؤمن بغير حق .
و قال إبراهيم النخعي : من ترك الصلاة فقد كفر ، و قال أيوب السختياني مثل ذلك .
و قال عون بن عبد الله : إن العبد إذا أدخل قبره سئل عن الصلاة أول شيء يسأل عنه ،
فإن جازت له نظر فيما دون ذلك من عمله ، و إن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد .
و قال صلى الله عليه و سلم :
" إذا صلى العبد الصلاة في أول الوقت صعدت إلى السماء و لها نور حتى تنتهي إلى العرش فتستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة و تقول :
حفظك الله كما حفظتني . و إذا صلى العبد الصلاة في غير وقتها صعدت إلى السماء و عليها ظلمة ،
فإذا انتهت إلى السماء تلف كما يلف الثوب الخلق و يضرب بها وجه صاحبها ،
و تقول : ضيعك الله كما ضيعتني . " . و روى أبو داود في سننه :
" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاتهم ـ من تقدم قوماً و هم له كارهون ،
و من استعبد محرراً ، و رجل أتى الصلاة دباراً "
و الدبار أن يأتيها بعد أن تفوته . و جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال :
" من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر "
فنسأل الله التوفيق و الإعانة إنه جواد كريم و أرحم الراحمين .
فصل ـ متى يؤمر الصبي بالصلاة :
روى أبو داود في السنن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
" مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " .
و في رواية :
" مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر .
و فرقوا بينهم في المضاجع " .
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله :
هذا الحديث يدل على إغلاظ العقوبة له إذا بلغ تاركاً لها .
و كان بعض أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمداً بعد البلوغ ، و يقول : إذا استحق الضرب و هو غير بالغ ،
فيدل على أنه يستحق بعد البلوغ من العقوبة ما هو أبلغ من الضرب
و ليس بعد الضرب شيء أشد من القتل .
و قد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم تارك الصلاة ،
فقال مالك و الشافعي و أحمد ، رحمهم الله :
تارك الصلاة يقتل ضرباً بالسيف في رقبته .
ثم اختلفوا في كفره إذا تركها من غير عذر حتى يخرج وقتها ،
فقال إبراهيم النخعي و أيوب السختياني و عبد الله بن المبارك و أحمد بن حنبل و اسحاق بن راهوية :
هو كافر . و استدلوا بقول النبي صلى الله عليه و سلم :
" العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " .
و بقوله صلى الله عليه و سلم :
" بين الرجل و بين الكفر ترك الصلاة " .
وعن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يوماً لأصحابه :
" اللهم لا تدع فينا شقياً و لا محروما . " ثم قال صلى الله عليه و سلم :
" أتدرون من الشقي المحروم ؟ قالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : تارك الصلاة " .
و روي أنه أول من يسود يوم القيامة وجوه تاركي الصلاة
و أن في جهنم وادياً يقال له الملحم فيه حيات ، كل حية ثخن رقبة البعير ،
طولها مسيرة شهر تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى لحمه .
حكاية : روي أن امرأة من بني إسرائيل جاءت إلى موسى عليه السلام فقالت :
يا رسول الله إني أذنبت ذنباً عظيماً و قد تبت منه إلى الله تعالى ،
فادع الله أن يغفر لي ذنبي و يتوب علي : فقال لها موسى عليه السلام :
و ما ذنبك ؟ قالت : يا نبي الله إني زنيت و ولدت ولداً فقتلته فقال لها موسى عليه السلام :
اخرجي يا فاجرة لا تنزل نار من السماء فتحرقنا بشؤمك ، فخرجت من عنده منكسرة القلب ،
فنزل جبريل عليه السلام و قال : يا موسى الرب تعالى يقول لك لما رددت التائبة يا موسى ،
أما وجدت شراً منها ، قال موسى : يا جبريل و من هو شر منها ؟ قال :
تارك الصلاة عامداً متعمداً .
حكاية أخرى عن بعض السلف أنه أتى أختاً له ماتت ،
فسقط كيس منه فيه مال في قبرها فلم يشعر به أحد حتى انصرف عن قبرها ،
ثم ذكره فرجع إلى قبرها فنبشه بعدما انصرف الناس ،
فوجد القبر يشعل عليها ناراً فرد التراب عليها و رجع إلى أمه باكياً حزيناً فقال :
يا أماه أخبريني عن أختي و ما كانت تعمل ؟ قالت : و ما سؤالك عنها ؟ قال :
يا أمي رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً . قال :
فبكت و قالت يا ولدي كانت أختك تتهاون بالصلاة و تؤخرها عن وقتها .
فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها ، فكيف حال من لا يصلي ؟
فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها في أوقاتها إنه جواد كريم .
فصل : في عقوبة من ينقر الصلاة و لا يتم ركوعها و لا سجودها ،
و قد روي في تفسير قول الله تعالى :
" فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون " .
أنه الذي ينقر الصلاة و لا يتم ركوعها و لا سجودها .
و ثبت في الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه :
أن رجلاً دخل المسجد و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس فيه ،
فصلى الرجل ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ، ثم قال له :
ارجع فصل فإنك لم تصل . فرجع فصلى كما صلى ،
ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ثم قال :
ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع فصلى كما صلى ،
ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ، و قال :
ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات . فقال في الثالثة :
و الذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني. فقال صلى الله عليه و سلم :
إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ،
ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ،
ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ،
و افعل ذلك في صلاتك كلها " .
و روى الإمام أحمد رضي الله عنه عن البدري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع و السجود "
و رواه أبو داود أيضاً و الترمذي ،
و قال : حديث حسن صحيح . و في رواية أخرى :
" حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود " .
و هذا نص عن النبي صلى الله عليه و سلم في أن من صلى و لم يقم ظهره بعد الركوع و السجود كما كان ، فصلاته باطلة ، و هذا في صلاة الفرض و كذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه .
و ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال :
" أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته : قيل و كيف يسرق من صلاته ؟ قال :
لا يتم ركوعها و لا سجودها و لا القراءة فيها " .
و روى الإمام أحمد " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه و سجوده " .
و قال صلى الله عليه و سلم :
" تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .
و عن أبي موسى قال :
صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً بأصحابه ثم جلس ، فدخل رجل فقام يصلي ،
فجعل يركع و ينقر سجوده ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" ترون هذا لو مات مات على غير ملة محمد صلى الله عليه و آله و سلم ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم ! "
أخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه .
و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
" ما من مصل إلا و ملك عن يمينه و ملك عن يساره ، فإن أتمها عرجا بها إلى الله تعالى ،
و إن لم يتمها ضربا بها وجهه " .
و روى البيهقي بسنده عن " عبادة بن الصامت :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من توضأ أحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها و سجودها و القراءة فيها قالت الصلاة :
حفظك الله كما حفظتني ، ثم صعد بها إلى السماء و لها ضوء و نور ،
ففتحت لها أبواب السماء حتى ينتهي بها إلى الله تعالى فتشفع لصاحبها .
و إذا لم يتم ركوعها و لا سجودها و لا القراءة فيها قالت الصلاة :
ضيعك الله كما ضيعتني ، ثم صعد بها إلى السماء و عليها ظلمة ،
فأغلقت دونها أبواب السماء ، ثم تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها " .
و " عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصلاة مكيال ، فمن وفي وفي له ،
و من طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين : قال الله تعالى :
" ويل للمطففين "
و المطفف هو المنقص للكيل أو الوزن أو الذراع أو الصلاة ،
وعدهم الله بويل و هو واد في جهنم تستغيث جهنم من حره ، نعوذ بالله منه " .
و " عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إذا سجد أحدكم فليضع وجهه و أنفه و يديه على الأرض فإن الله تعالى أوحى إلي أن أسجد على سبعة أعضاء : الجبهة و الأنف و الكفين و الركبتين ، و صدور القدمين ،
و أن لا أكف شعراً و لا ثوباً ،
فمن صلى و لم يعطي كل عضو منها حقه لعنه ذلك العضو حتى يفرغ من صلاته " .
و روى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يصلي
و لا يتم ركوع الصلاة و لا سجودها فقال له حذيفة صليت و لو مت و أنت تصلي هذه الصلاة ، مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه و سلم .
و في رواية أبي داود أنه قال : منذ كم تصلي هذه الصلاة ؟ قال :
منذ أربعين سنة . قال : ما صليت منذ أربعين سنة شيئاً ،
و لو مت مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه و آله سلم !
و كان الحسن البصري يقول :
يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك
إذا هانت عليك صلاتك و أنت أول ما تسأل عنها يوم القيامة كما تقدم من
قول النبي صلى الله عليه و سلم :
" أول ما يحاسب العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح و أنجح ،
و إن فسدت فقد خاب و خسر ، فإن انتقص من الفريضة شيء
يقول الله تعالى :
انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله كذلك " .
فينبغي للعبد أن يستكثر من النوافل حتى يكمل به ما انتقص من فرائضه و بالله التوفيق .
فصل : في عقوبة تارك الصلاة في جماعة مع القدرة قال الله تعالى :
" يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة و قد كانوا يدعون إلى السجود و هم سالمون " .
و ذلك يوم القيامة يغشاهم ذل الندامة و قد كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود .
قال إبراهيم التيمي : يعني إلى الصلاة المكتوبة بالأذان و الإقامة ، و قال سعيد بن المسيب :
كانوا يسمعون : حي على الصلاة حي على الفلاح ، فلا يجيبون و هم أصحاء سالمون .
و قال كعب الأحبار :
و الله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين تخلفوا عن الجماعة ،
فأي وعيد أشد و أبلغ من هذا لمن ترك الصلاة في الجماعة مع القدرة على إتيانها ؟
و أما من السنة فما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
" لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة في الجماعة ، فأحرق بيوتهم عليهم بالنار "
و لا يتوعد بحرق بيوتهم عليهم إلا على ترك واجب مع ما في البيوت من الذرية و المتاع .
و في صحيح مسلم أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
" يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد
و سأل النبي صلى الله عليه و سلم أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال :
هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم . قال : فأجب " .
و رواه أبو داود "
عن عمرو بن أم مكتوم أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام و السباع و أنا ضرير البصر شاسع الدار ـ أي بعيد الدار ـ
و لي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟ فقال : هل تسمع النداء ؟ قال ، نعم . قال : فأجب فإني لا أجد لك رخصة " .
فهذا ضرير البصر شكى ما يجد من المشقة في مجيئه إلى المسجد و ليس له قائد يقوده إلى المسجد ،
و مع هذا لم يرخص له النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة في بيته فكيف بمن يكون صحيح البصر سليماً لا عذر له ؟
و لهذا لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما :
عن رجل يصوم النهار و يقوم الليل و لا يصلي في جماعة و لا يجمع فقال :
إن مات على هذا فهو في النار .
و قال أبو هريرة رضي الله عنه لأن تمتلىء أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء و لا يجيب .
و روي " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر ،
قيل و ما العذر يا رسول الله ؟ قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى يعني في بيته " .
و أخرج الحاكم في مستدركه عن " ابن عباس أيضاً قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ثلاثة لعنهم الله :
من تقدم قوماً و هم له كارهون ، و امرأة باتت و زوجها عليها ساخط ،
و رجل سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجب " .
و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل : و من جار المسجد ؟ قال : من سمع الأذان .
و روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
من سره أن يلقى الله غداً مسلماً ـ يعني يوم القيامة ـ
فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادي بهن ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ،
و إنهن من سنن الهدى ،
و لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ،
و لو تركتم سنة نبيكم لضللتم . و لقد رأيتنا و ما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ،
و لقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين رجلين حتى يقام في الصف أو حتى يجيء إلى المسجد لأجل صلاة الجماعة .
و كان الربيع بن خيثم قد سقط شقه في الفالج ، فكان يخرج إلى الصلاة يتوكأ على رجلين ، فيقال له : يا أبا محمد قد رخص لك أن تصلي في بيتك أنت معذور . فيقول : هو كما تقولون ، و لكن أسمع المؤذن يقول : حي على الصلاة حي على الفلاح ، فمن استطاع أن يجيبه و لو زحفاً أو حبواً فليفعل .
و قال حاتم الأصم : فاتتني مرة صلاة الجماعة فعزاني أبو اسحاق البخاري وحده ، و لو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف إنسان ، لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا ! .
و كان بعض السلف يقول : ما فاتت أحداً صلاة الجماعة إلا بذنب أصابه و قال ابن عمر خرج عمر يوماً إلى حائط له فرجع و قد صلى الناس العصر فقال عمر : إنا لله و إنا إليه راجعون فاتتني صلاة العصر في الجماعة . أشهدكم أن حائطي على المساكين صدقة ليكون كفارة لما صنع عمر رضي الله عنه ، و الحائط البستان فيه النخل .
فصل ـ:
و يكون اعتناؤه بحضور صلاة العشاء و الفجر أشد ، فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
" إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ، يعني العشاء و الفجر ، و لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما و لو حبواً " .
و قال ابن عمر : كنا إذا تخلف منا إنسان في صلاة العشاء و الصبح في الجماعة أسأنا به الظن أن يكون قد نافق .
حكاية : عن عبيد الله بن عمر القواريري رضي الله عنه قال : لم تكن تفوتني صلاة العشاء في الجماعة قط ، فنزل بي ليلة ضيف فشغلت بسببه و فاتتني صلاة العشاء في الجماعة ، فخرجت أطلب الصلاة في مساجد البصرة ، فوجدت الناس كلهم قد صلوا و غلقت المساجد ، فرجعت إلى بيتي و قلت : قد ورد في الحديث : إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبع و عشرين درجة ، فصليت العشاء سبعاً و عشرين مرة ثم نمت ، فرأيت في المنام كأني مع قوم على خيل و أنا أيضاً على فرس و نحن نستبق ، و أنا أركض فرسي فلا ألحقهم ، فالتفت إلى أحدهم فقال لي :
لا تتعب فرسك فلست تلحقنا : قلت : و لم ؟ قال :
لأنا صلينا العشاء في جماعة و أنت صليت وحدك .
فانتبهت و أنا مغموم حزين لذلك ،
فنسأل الله المعونة و التوفيق إنه جواد كريم .