الوصية بالنساء
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( استوصوا بالنساء خيرآ , فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج , و إن أعوج شئ في الضلع أعلاه
فإن ذهبت تقيمه كسرته , و إن تركته لم يزل أعوج , فاستوصوا بالنساء خيرآ ))
< رواه الشيخان >
في رواية اخرى لهذا الحديث عن نفس رواية أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
(( إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة , فإن استمتعت بها و بها عوج , و إن ذهبت تقيمها كسرتها , و كسرها طلاقها ))
و في رواية ثالثة لهذا الحديث ايضآ عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
(( إن المرأة خلقت من ضلع , و إنك ترد إقامة الضلع تكسرها , فدارها تعش بها ))
_______________ _______________ ______
المعنى :-
نحو معنى واحد و هو الوصية بالنساء و حسن معاشرتهن تدور هذه الروايات المتعددة و غيرها لهذا الحديث الشريف , و هي و إن اختلفت أساليبها و تغايرت ألفاظها فإنها تدعو إلى إحسان معاملة المرأة استبقاء للمودة بين الزوجين , لكي تدوم العلاقة بينهما و لا تنقطع .
ذلك أن المرأة كائن له شأنه , و من الضروري وجوده إلى جانب الرجل لتعمر الحياة بهما , و تبقى إلى الأمد الذي ضربه الله لانتهائها , و في المرأة من الصفات السوء و الحسن مايدعو إلى الوصية بها , لكي ينتفع بخيرها و يتقي شرها و لهذا يوصي النبي صلى الله عليه و سلم خيرآ بالنساء , مذكرآ بأن فيهن عوجآ يلازمهن من أصل الخلقة و مبدأ التكوين , و أن هذا العوج لا يمكن معالجته من كل الوجوه , و أن من يرد ذلك فلابد له من إساءة العشرة المؤدية إلى الطلاق , و هو أبغض الحلال إلى الله تعالى .
و لكل من الرجل و المرأة عالمه الذي يعيش فيه , و لكل منهما أخلاقه و عاداته , فإذا جمع الزواج شملهما ظهر لكل منهما مايختلف فيه عن الآخر , و لكي يتواءما بصورة تسمح بحسن العشرة بينهما لابد من التغاضي عن الهفوات التي لا تؤثر على جوهر الدين و الخلق , و لابد من صبر كل منهما على ما لا يرضاه من صاحبه في ذلك , حتى تسير بهما الحياة بطريقة هادئة مستقرة , فإن الرسول صلى الله عليه و سلم يقول : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقآ رضى منها آخر )) .
و لأن الإسلام جعل للرجل القوامة على المرأة بما فضله الله , و بما كلفه به من الرعاية و الإنفاق و حمل التعبة , فمن الضروري أن يتجه إليه خطاب الرسول صلى الله عليه و سلم باعتباره مسئولآ عن قيادة سفينة الأسرة إلى بر السلام و شاطئ الأمان .
و هذا لا ينكر دور المرأة فهي الطرف الآخر المكمل لبناء الأسرة , و هي في رعاية الرجل و كنفه , و وجودها ضروري إلى جانبه , و إنه لفي حاجة إليها ليصلح من حاله , فليتحملها على ما هي فيه من عوج , و ليصبر على مايكون فيها منه إبقاء على كيان الأسرة , إلا إذا بلغت درجة العوج حدآ يخل بالدين و الشرف فإنه حينئذ لا يمكن التغاضي عنه و لا التسامح فيه .
إن الإسلام قد أحل المرأة مكانآ رفيعآ في قيادة الأسرة , فإنها للزوج الوزيرة الناصحة , و الأمينة على بيته و ماله , و المربية المرشدة لأولاده , و هي سيدة البيت و راعيته و المسئولة عنه , و مع هذا فإن لها من الحقوق على الزوج مايكفل لها مزيدآ من الرعاية و التكريم , روى معاوية القشيري أن النبي صلى الله عليه و سلم سأله رجل : ما حق المرأة على الزوج ؟
قال : (( تطعمها إذا طعمت , و تكسوها إذا اكتسيت و لا تضرب الوجه و لا تقبح , و لا تهجر إلا في البيت )) .
و مع إباحة الضرب للناشر من النساء تأديبآ لها , فإن النبي صلى الله عليه و سلم قد وصف من يلجأ إلى ذلك بأنه ليس من خيار الناس , و أن خيارهم الذين يكتفون في التأديب بالتهديد , أو الإيهام و الوعيد , إلا إذا كان ذلك في أمر يتعارض مع طاعة الله عز و جل . أخرج النسائي عن عائشة رضى الله عنها قالت : (( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم إمرأة له و لا خادمآ قط , و لا ضرب بيده شيئآ قط إلا في سبيل الله أو تنتهك محارم الله فينتقم لله )) .
و مما أدب النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أنه نهاهم أن يقدموا على نسائهم من الأسفار الطويلة ليلآ إلا إذا أخبروهن بذلك , حتى تتهيأ المرأة لاستقبال زوجها بما يحفظ عليها مودته و رضاه , عن جابر رضى الله عنه قال : (( كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل , فقال : أمهلوا حتى ندخل ليلآ _ أي عشاء _ لكي تمتشط الشعثة و تستحد المغيبة )) , و عنه قال أيضآ : (( نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يطرق الرجل أهله ليلآ يتخونهم أو يطلب عثراتهم )) .
و من الآداب النبوية أيضآ : وصيته بحسن عشرة النساء فيما بين أيدينا من حديث : (( استوصوا بالنساء خيرآ )) و استمراره في تأكيد هذه الوصية بهن حتى كانت آخر مانطق به لسانه عليه الصلاة و السلام , و حين كاد كلامه يخفى جعل يقول : (( الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم , و لا تكلفوهم ما لا يطيقون , الله الله في النساء , فإنهن عوان في أيديكم , أخذتموهن بأمانة الله , و أستحللتم فروجهن بكلمة الله )) . >> فهو يدعو هنا إلى حسن معاشرة المرأة , باحتمال الاذى منها و الصبر على طيشها و غضبها , تأسيآ به صلى الله عليه و سلم حيث كان أزواجه يراجعنه الكلام و قد تهجره الواحدة منهن يومآ إلى الليل .
بل كان صلى الله عليه و سلم يقول لعائشة رضى الله عنها : (( إني لأعلم إذا كنت عني راضية و إذا كنت علي غضبى , فقالت عائشة : من أين تعرف ذلك يا رسول الله ؟ فقال : أما اذا كنت عني راضية فإنك تقولين : لا و رب محمد , و إذا كنت علي غضبى قلت : لا و رب إبراهيم ,
قالت : قلت أجل , و الله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك )) .
و من الآداب النبوية : ما كان من تبسطه صلى الله عليه و سلم مع النساء و مجاعبته لهن , كان يمزح معهن , و ينزل إلى مستوى عقولهن في بعض الأعمال , فقد روى أنه صلى الله عليه و سلم سابق عائشة رضي الله عنها في العدو فسبقته يومآ ثم سابقها فسبقها , فقال لها عليه الصلاة و السلام : هذه بتلك )) .
و هذا هو رسول الله صلى الله عليه و سلم تزف إليه عائشة رضي الله عنها و هي حديثة السن و معها لعبها , و تأتي إليها صويحباتها في البيت يلعبن معها , بل كان صلى الله عليه و سلم يدعوها إلى أن ترى الحبش و هم يلعبون بحرابهم , و يفسح لها من وقته حتى تكون هي البادئة بالإنصراف , و ذلك فيما يرويه عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت : (( كان الحبش يلعبون بحرابهم , فسترني رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا أنظر , فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف , فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو )) .
لقد كان صلى الله عليه و سلم يصبر على ما يكون من نسائه من تقصير في حقه مما يستدعيه الغيرة بين الضرائر , و ما تقتضيه حداثة السن من عدم تقدير العواقب , فلم يكن عليه الصلاة و السلام ليقسو عليهن , و لم يعنف من نسائه من وقع منها التقصير في حقه , بل كان عليه الصلاة و السلام على العكس من ذلك , يشتد على نفسه , و يتحمل مايبدو منهن , و ربما اعتزلهن جميعآ حتى لا يكون منه لإحداهن مضايقة أو إيذاء , و في البخاري من ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( لم أزل حريصآ على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم اللتين قال الله تعالى : (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما )) . حتى حج و حججت معه , و عدل فعدلت معه بأداوة . ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ , فقلت له : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم اللتان قال الله تعالى : (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما )) ؟ قال : و اعجبآ لك يا بن عباس , هما عائشة و حفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال : (( كنت أنا و جار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد _ و هم من عوالي المدينة _ و كنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه و سلم فينزل يومآ و أنزل يومآ , فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره , و إذا نزل فعل مثل ذلك , و كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم , فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار , فصخبت على امرأتي فراجعتني , فأنكرت أن تراجعني فقالت : و لم تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ليراجعنه , و إن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل , فأفزعني ذلك و قلت لها : قد خاب من فعل ذلك منهن , ثم جمعت على ثيابي فنزلت , فدخلت على حفصة فقلت لها : أي حفصة , أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه و سلم اليوم حتى الليل ؟ , قالت : نعم , فقلت : قد خبت و خسرت !! أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم فتهلكي ؟ لا تستكثري النبي صلى الله عليه و سلم و لا تراجعيه في شئ و لا تهجريه , و سلينى ما بدا لك , و لا يغرك أن كانت جارتك أوضأ منك و أحب إلى النبي صلى الله عليه و سلم _ يريد عائشة _ قال عمر : و كنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا , فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء , فضرب بابي ضربآ شديدآ و قال : أثم هو ؟ ففزعت و خرجت إليه . فقال قد حدث اليوم أمر عظيم , قلت : ما هو ؟ أجاء غسان ؟ قال : لا بل أعظم من ذلك و أهوال , طلق النبي صلى الله عليه و سلم نسائه , فقلت خابت حفصة و خسرت , قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون , فجمعت على ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه و سلم , فدخل النبي صلى الله عليه و سلم مشربة له فإعتزل فيها , و دخلت على حفصة فإذا هي تبكي , فقلت : ما يبكيك ؟ ألم أكن حذرتك هذا ؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قالت لا أدري ! ها هو ذا معتزل في المشربة , فخرجت فجئت إلى المنبر ,فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلآ , ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه و سلم , فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر , فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه و سلم , ثم رجع فقال : كلمت النبي صلى الله عليه و سلم و ذكرتك له فصمت , فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر , ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام : استأذن لعمر , فدخل ثم رجع فقال : قد ذكرتك له فصمت , فلما وليت منصرفآ قال إذا الغلام يدعوني فقال : قد أذن لك النبي صلى الله عليه و سلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه و بين فراش , قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف , فسلمت عليه ثم قلت و أنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ فرفع إلي بصره فقال : لا , فقلت : الله أكبر , ثم قلت و أنا قائم استأنس : يا رسول الله لو رأيتني و كنا معشر قريش نغلب النساء , فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلب نساؤهم , فتبسم النبي صلى الله عليه و سلم , ثم قلت : يا رسول الله لو رأيتني , و دخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك أو أحب إلى النبي صلى الله عليه و سلم _ يريد عائشة رضى الله عنها _ فتبسم النبي صلى الله عليه و سلم تبسمة أخرى , فجلست حين رأيته تبسم , فرفعت بصري في بيته , فوالله ما رأيت في بيته شيئآ يرد البصر غير أهبة ثلاثة , فقلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك , فإن فارسآ و الروم قد وسع عليهم , و قد أعطو الدنيا و هم لا يعبدون الله , فجلس النبي صلى الله عليه و سلم و كان متكئآ فقال : أو في هذا انت يا ابن الخطاب ! إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا , فقلت : يا رسول الله استغفر لي , فاعتزل النبي صلى الله عليه و سلم نسائه من اجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعآ و عشرين ليلة , و كان قال : ما انا بداخل عليهن شهرآ من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله , ثم بعد مضي شهرآ كاملآ تصالح صلى الله عليه و سلم عليهن , ثم أنزل الله تعالى آية التخيير ,
و إذا كان للرجل فضل على المرأة فإنما هو فضل الرعاية و الحياطة , فضل ماحمله الإسلام حيالها من تبعات , فهو وليها المسئول عنها , يحوطها بقوته , و يذود عنها بدمه , و ينفق عليها من كسب يده , و فيما سوى ذلك فهما في السراء و البأساء سواء , يقول الله تعالى : (( و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة )) .
و مهما بذل الرجل في سبيل زوجته و أسرته من جهد , و مهما تكبد في سبيل القيام عليهم من عناء , فلن يزيده فضلآ عن المرأة إذا وفت لبيتها , و قامت بحق زوجها , و أحسنت القيام على بنيها , و ذلك مصداق ما ورد في صحيح مسلم عن أسماءبنت زيد الأنصارية أنها : (( أتت النبي صلى الله عليه و سلم و هو بين أصحابه فقالت : بأبي أنت و أمي يا رسول الله . أنا وافدة النساء إليك , إن الله عز و جل بعثك إلى الرجال و النساء كافة , فآمنا بك و بإلهك , إنا معشر النساء محصورات مقصورات , قواعد بيوتكم , و حاملات أولادكم , و إنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمع و الجماعات , و عيادة المرضى , و شهود الجنائز , و الحج , و أفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز و جل , و إن أحدكم إذا خرج حاجآ أو معتمرآ أو مجاهدآ حفظنا لكم أموالكم , و غزلنا أثوابكم , و ربينا لكم أولادكم , أفنشارككم في هذا الأجر و الخير ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال : هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا , فالتفت النبي صلى الله عليه و سلم إليها فقال : إفهمي أيتها المرأة , و أعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها و طلبها مرضاته , و اتباعها موافقته يعدل ذلك كله )) . فانصرفت المرأة و هي تهلل حتى وصلت إلى نساء قومها من العرب , و عرضت عليهن ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم ففرحن و آمن جميعهن )) .
لقد عز على النساء ألا يخصهن النبي صلى الله عليه و سلم بوقت من دون الرجال , فأجبهن صلى الله عليه و سلم إلى ما طلبن , و خصهن بيوم من كل أسبوع , فإذا كان ذلك اليوم أقبلهن عليه فجلسن عنده , فيتقبل عليهن يجيب السائلة , و يهدي الحائرة و يرشدهن إلى سواء السبيل .
و كان عليه الصلاة و السلام في مجلسه مع النساء أتم ما يكون بهن رحمة و حنوآ , و كن يجلسن إليه جلوس الأبناء مع الأب الحاني الرحيم .
استأذن عليه عمر بن الخطاب ذات مرة و هن بين يديه صلى الله عليه و سلم فابتدرن الحجاب , فلما دخل عمر تبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم , فقال عمر : بأبي أنت و أمي يا رسول الله ما ضحكك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رآك النساء فتبادرن الحجاب , فالتفت عمر إليهن فقال : يا عدوات أنفسهن تهبنني و لا تهبن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقلن : انت أفظ و أغلظ من رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و كانت حياته صلى الله عليه و سلم مع النساء مثلآ أعلى في بذل المعونة و ترك الكلفة , و إجتناب الهجر من القول , و كان يقول : (( خيركم خيركم لأهله , و أنا خيركم لأهلي , ما أكرم النساء إلا كريم , و لا أهانهن إلا لئيم )) .
سئلت عائشة رضي الله عنها : ما كان عمل النبي صلى الله عليه و سلم في بيته ؟ فقالت : كان في مهنة أهله حتى يخرج إلى الصلاة . _ تريد بذلك أنه يعاونهن و يعمل معهن _ .
و من أحاديث رحمة النبي صلى الله عليه و سلم بالنساء , و إهتمامه بإسداء المعونة لهن ما حدثت به عائشة رضي الله عنها قالت : جاءتني امرأة معها بنتان تسألني , فلم تجد عندي غير ثمرة واحدة , فأعطيتها , فقسمتها بين ابنيتها ثم قامت فخرجت , فدخل النبي صلى الله عليه و سلم فحدثته فقال : (( من ابتلى من هذه البنات بشئ كن له سترآ من النار )) .
لقد بلغ من سماحة الإسلام , و إحترام النبي صلى الله عليه و سلم لرأي المرأة و حريتها فيما يتصل بذات نفسها , أنه لم ينكر على بريرة _ و هي جارية _ أن ترد عليه شفاعته صلى الله عليه و سلم و هو سيد الخلق , حين رغب إليها أن تبدل زوجها حبآ بحب فلم تقبل . و بخاصة بعد أن اطمأنت إلى أن رسول الله عليه الصلاة و السلام لم يأمرها بالعودة إلى زوجها أمر إيجاب , و أنه في ذلك شافع فقط .
و قد كانت بريرة جارية من جواري الحبشة . زوجها مالكها عتبة بن أبي لهب عبدا من عبيج المغيرة ما كانت لترضاها لو كان أمرها بيدها , فأشفقت عليها عائشة فاشترتها و أعتقتها , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( ملكت نفسك فاختاري )) و كان زوجها مغيث _ و هذا هو اسمه _ يمشي وراءها في طرق المدينة يبكي من فرط حبه لها و إعراضها عنه .
روى البخاري في صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : (( أن زوج بريرة كان عبدآ يقال له مغيث , كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي و دموعه تسيل على لحيته , فقال النبي صلى الله عليه و سلم لعباس : (( يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة مغيثآ ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لو راجعتيه ؟
قالت : يا رسول الله أتأمرني ؟
قال : إنما أنا أشفع ,
قالت : فلا حاجة لي فيه )) .
فإذا كان الإسلام قد أكرم المرأة و صانها , و أوجب لها من الحقوق مالم تظفر به في أية فترة من فترات التاريخ , فلم يكن ذلك منه إلا إجلالآ لرسالتها المقدسة في بناء الأمة , بما تقدمه لها من ثمار غرسها الصالح الكريم , متمثلآ فيمن تربيتهم على الفضيلة من أبناء بررة , تعدهم لحمل رسالة الإسلام في مستقبل الأيام .
فلتكن المرأة المسلمة أهلآ لوصية النبي صلى الله عليه و سلم بها , و محلآ لهذه الوصية بأداء مايفرضه عليه الدين من واجبات رعاية الأسرة و تنشئة الأولاد , و لتترفع عن الصغائر و الدنايا و المحقرات , فإن المرأة _ في مجال الأسرة _ ذات رسالة لا تقل بحال عن رسالة الرجل إن لم تزد عليها , و لتكن على مستوى التكريم الإلهي حيث يقول الله عز و جل : (( و عاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئآ و يجعل الله فيه خيرآ كثيرآ )) .
و يكفينا بعد ذلك شرفآ و فخرآ أن صاحب الشريعة صلى الله عليه و سلم آثرها بالتكريم بالوصية بها _ من أجل أمومتها _ أضعاف ما أوصي بالرجال , لما لها من فضل السبق و شرف المنزلة , فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : (( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك . قال : ثم من : قال أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أبوك )) .
و من هنا يظهر لنا كم كرم الإسلام المرأة و صانها و أعطى لها كافة حقوقها .[b]
لقد قمت بهذا البحث بفضل الله من كتاب توجيهات من السنة في مجال الاخلاق و الاسرة \ الاستاذ الدكتور محمد رشاد خليفة \ رئيس قسم الحديث بكلية البنات الإسلامية \ جامعة الازهر \ الطبعة الثانية \ القاهرة \ سنة 1405 ه - 1984 م
لقد قمت بهذا البحث ردآ على كل من يقول أن الإسلام قد ظلم المرأة في أمور الحياة
و تم بحمد الله ...