ومن أهم أسباب زيادة الإيمان تلاوة القرآن الكريمبتفكر وتدبر؛ فهذا القرآن هو كتاب هداية ،آياته البينات هي النور الذييستضيء به العبد فيهتدي للتي هي أقوم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِيلِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )(الإسراء: من الآية9).
فبه يخرج العبد منالظلمات إلى النور: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌمُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَالسَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِوَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15ـ 16).
إنهالشفاء لأمراض الصدور من الشبهات والشهوات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْجَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِوَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) .وقال الله تعالى :(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌلِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء: من الآية82).
وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ)(فصلت: من الآية44)
إنهالروح الذي تحيا به القلوب والأرواح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَرُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاالْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْعِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).
إنهالكتاب الذي أحيا الله به قلوبا كانت ميتا وجعلها به في مصاف المؤمنينالصادقين :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُنُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوايَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).
إن تدبر القرآن يزيد العبد إيماناونورا وبصيرة ؛ فهذا لتدبر يعينه على الفهم والعمل بما علم ، وهذا الذيكان عليه الأسلاف رضي الله عنهم وأرضاهم ، كما قال الحسن البصري رحمه اللهتعالى : إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليلوينفذونها بالنهار.
وكان يعتب على من جعل همه مجرد القراءة ، وإنكان القارىء يؤجر بمجرد قراءته ، لكن الذي لا شك فيه أن القراءة النافعةللقلب المؤثرة في زيادة الإيمان هي القراءة المتدبرة الخاشعة ، ولهذا يقولالحسن رحمه الله:يا ابن آدم :كيف يرق قلبك وإنما همك في آخر سورتك؟! .
إنالله تعالى دعانا إلى تدبر آيات كتابه العزيز ، وبين سبحانه أن التدبر منأعظم المقاصد فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌلِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)(صّ:29).وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْعِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82).
ويقول الله عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).
وقد استجاب العلماء والصالحون لهذا التوجيه الرباني الكريم فرأينا منهم عجبا.
هذارسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وكانت عيناه تذرفان حين قرأ عليه ابنمسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّأُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41]فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟
وكان يدعو الأمة إلى التدبروفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِيالْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداًوَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَاعَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌلمن قرأها ولم يتفكر فيها".
أما أصحابه فكان الواحد منهم ربما قامالليلة بآية واحدة يرددها ويتدبرها فلا يتجاوزها ،؛ لما فيها من العجائبأو الوعد والوعيد،يقول محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتىأصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكرأحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".
وإذا قرأالعبد القرآن لتدبر ازداد إيمانا وفاز بالعديد من الثمرات التي ذكر الإماابن القيم رحمه الله شيئا منها حين قال: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشهومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر علىمعاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلىطرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ فييده(تضع) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبت قواعد الإيمان فيقلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر.وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبهوما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه،وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتهاوتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهلالسعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه.وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة تعرِّفُهُ الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.
وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلةإليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه".
نسأل الله تعالى أن يرزقنا تدبر كتابه ، وأن يزيدنا إيمانا.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.