ما اصعب الابتعاد عنها

ما أصعب الإبتعاد عنها

تمهيد

-" أنه زمن لم يعد الحب له قيمة تذكر ..والمال هو من يحدد قدر المرء وربما مصيره يحسم " ..قالتها وعينيها تكاد تغرر دمعا لكنها حبستها من الظهور علنا ..إنها ترتدي فستان عرس ابيض بسيط يضم اكمام من قماش شفاف يظهر بشرتها السمراء .. اليوم هو زفافها المقرر ..
-" ليلى..لماذا لا تتراجعي عن الزواج ..الوقت لم يفت عزيزتي ..".قالتها فرح بصوت يضم الم وهي تشهد صديقتها ما زالت مصممة على الزواج بــ (عصام )..رغم ما تكنه من حب لـــــــ غزوان ..

1
احتضنت بين يديها طفل صغير لم يتجاوز ثلاثة ايام ..تبسمت له بشفافية ثم ما لبثت حتى ارجعته إلى الحاضنه ..جاء صوت صديقتها فرح تحدثها من الخلف ." ليلى..دكتور فؤاد يطلبك في مكتبه "
التفتت إليها وقد ابدت على وجهها شيء من الاستغراب ..لابد من ان هناك امر مهم يود اخبارها به او ملاحظة ما ..فهو المدير العام المسؤول في المستشفى ..وهو كثيرا ما يبدي ملاحضات اثناء تجوله المعتاد بين الاروقة ..الممرات و الحجر التي تتشكل بها هذه المستشفى الاهلي الواقعة في مركز العاصمة بغداد ..وهو لا يتوانى عن ابداء تذمره من اقل شكوى تقدم به عن احد العاملين .
-" يا ترى ما الذي وراء ارساله بطلبي ؟" قالتها وهي تمعن بعينيها النرجسيتن ذات الحاجبان العريضان نحو فرح .
-" هلمي بالذهاب اليه وستعرفين " ..
اخذت تسير بقدميها الناعمتين قاطعة ممرا طويل ذو اضاءة خافته و برودة متوسطة من اثر المكيفات الهوائيه مضيفة لرائحة المعقم تعم المكان ..صادفها بعض الاطباء وقد تبادلت معهم تحية الصباح ..اتخذت السلالم لتهبط منها بدلا من المصعد الكهربائي .. استمرت بسيرها حتى دخلت حجرة توزعت كنبات جلديه بلون اسود بشكل منسق فيه .و مكتب خشبي مماثل باللون وعليه لوحة ( السكرتير) تحتل جزء امامي بسيط منه و شاب في العشرينيات يجلس ورائه ..وهو ما ان لمح دخولها حتى استقبلها بابتسامة تاركا شاشة الحاسوب التي كان ينظر لها ..تبادلا التحيه ومن ثم سارع يخبرها ان دكتور فؤاد بنتظارها ..طرقت باب كان قريب من المكتب الخشبي ..حتى فتحت وهي ترسم على ملامح وجهها الهزيل بسمة خفيفة ملقيه تحية الصباح
-" صباح الخير ..ليلى..تفضلي بالجلوس "..
قالها رجل قد ناهز العقد الرابع من عمره وهو يرتدي بدلة بيضاء ويضع نظارات طبيه على عينيه ..أنه دكتور فواد ..مدير المستشفى التي تعمل فيها ليلى كممرضة ..
امتثلت لطلبه ..وهي تشاهده يفتح احد ادارج مكتبه مخرجا اوراق منه ..
وفجاءة شعرت انها قد خمنت ما وراء ذلك ..ربما إنه طرد لها من جمعية اطباء بلا حدود ..إنها جمعية على مستوى دولي تظم عدد من الاطباء والممرضيين واخرين من الكادر الطبي ومهمتها تكون في تلبيه العون في الدول المحتاجة للعناية الطبيه ..وقد قدمت طلبها قبل شهر لكن لم يصل الجواب بعد ..
-" عزيزتي ليلى هناك امر قد اوكل الينا تلبيته " ..قالها وقد لمح شيئا من الخيبة على وجهها بعد ان ايقنت انها قد اخطت الظن ..إنه ليس طرد من الجمعية بل شيئا اخر .
-" تفضل دكتور "
-" صديق لدي... ابنه قد اصيب بحادثة سياره كان على اثرها اصابات موزعة في جسده أضافة إلى فقدان بصره بسبب صدمة الراس التي اثرت على بعض اعصاب عينيه وهو بحاجة إلان إلى عناية جيده من ممرض جيد ..وفي الحقيقه لم اجد ممرض كفوء مثلك لدينا ..وبالنسبة للراتب ..سيكون اضعاف ما تتقاضيه هنا "..قالها بصوت هادى وهو يمعن النظر إلى تقاسيم وجهها ذو البشرة السمراء .
-" ولكن اتقصد ان العناية به ستكون في منزله !!"
-" نعم ..ولمدة بسيطة ..أنهم عائله محافظة ..لا تخشيء شيئا ..." .قالها وقد لمح بريق الحذر من قبول عرضه .." تذكري ان مكانك ما زال محفوظا حتى انتهاء خدمتك عندهم وان راتبك في المستشفى سيكون مستمرا حتى عودتك الينا " ..أنه عرض مغري لها .وقد جائت صورة جدتها المراءة العجوز في مخيلتها ..فهي يتيمه منذ الصغر وقد اولت جدتها تربيتها ..لابد ان هذا المال سيساعدهم كثيرا من ناحية ايجار المنزل ومتطلبات الحياة التي اصبحت مع الوقت ترتفع قياسا مع ما تقتضاه من الراتب ..
-" حسنا دكتور ..متى سابدء العمل عندهم "
-"اليوم ساتصل بصديقي لكي يرسل سائقه لنقلك غدا الى المنزل .. في هذا الملف ستجدين تقرير الطبيب المشرف على حالته " ..قالها وهو يناولها الملف الذي اخرجه من درجه سابقا وقد لمحت الاسم الموجود على الملف
" غزوان رشيد " لابد انه اسم المريض ..هذا ما استنتجت لحضتها وقد تاكدت منه في استراحة الظهيره حيث تكون في أحدى الحجر المخصصة لهم ..وبينما بدئت تتصفحه حتى استوقفها ..معلومة ..عمره 27 عاما ..عندها بدءت المفاجئة ..فهي لم تتصور ان المريض شابا فقد خالته طفلا ...صبيا لم يتجاوز الحلم بعده ..او فتى في سن المراهقة ..لكن ان يكون في ريعان الشباب هذا الامر لم يطرق في مخيلتها ..
-" ما الامر الذي اراده دكتور فؤاد " قالتها فرح وهي تهم بالدخول إلى الحجرة التي وجدت ليلى مختليه مع الملف الذي كانت تحمله بين يديها ..
-" لقد طلب مني العناية بمريض في منزله " ..قالتها بتردد
-" حقا ..ومن هذا المريض ؟ " قالتها وقد بدء عليها الاهتمام وهي تاخذ الملف منها ..دون ان تكترث لما تعنيه ليلى من مسالة ان تهتم بمريض خارج المستشفى وتحديدا في منزله .. وفجاءة ارتفع صوت فرح وقد بدء بريق المفاجئة في عينيها السوداء الكاحلتين ..وهي تمعن في الملف قائله " يا الهي ..أنه غزوان رشيد ..امعقول هذا ؟ " .
-" ما الذي تقصدينه ؟ " قالتها ليلى وقد بدء الاستغراب على ملامح وجهها البائس من ردة فعل فرح تجاه اسم المريض .
-" اتذكرين الشاب الذي دخل حجرة الطوارى في اليوم الذي كنت مجازة فيه ؟"
-" كثيرون هم المرضى الشباب الذي يدخلون حجرة الطوارى لدينا "
-" يا الهي ..ليلى ..انه ذاته الشاب الذي حدثتك عنه ..الوسيم الاشقر ..ذو العينين الرصاصيتين ..والشارب الخفيف ببشره بيضاء ..يا الهي ..لا اصدق انه اوكل إليك طلب العناية به ..كم انت محظوظة ..ليته طلب مني هذا"
-" هل افهم من هذا انك تحسديني ؟" قالتها ليلى وهي تبدي ضحكة ساخره ..
-" لا اظنني الوحيده التي ستحسدك وانما كل ممرضة تعمل هنا ايضا " ..قالتها وقد ظهرت بعض التحفظ في كلامها وهي ترى ليلى تتكأ برأسها على الكنبة بتردد " من الجيد ان هناك شيء تحسدوني عليه " ...ليلى ..أنها شابة في الخامسة والعشرون عام ..لكن ما يحمله عقلها من نضج تكاد تكون في الثلاثين ..سمراء ..ذات شعر بني مجعد ..عينان دائرية نرجسية اللون ..حاجبان عريضان ..ليست جميلة وهي تعلم هذا ..فيه تشبه إلى حد كبير والدتها المتوفاة ..وكم من وقت كانت تقف امام المرآة تتامل ملامح وجهها الذي يظهر البؤس عليه ..ولدت يتيمة بوفاة الوالد ثم تلته الوالده ..عرفت معنى الحرمان ..ومعنى ان تكون وحيده دون اشقاء ..ولما بلغت العشرين جلست مع نفسها محاولة ان تتذكر كلمة غزل لها قد طرقت على مسمعها من احد الاقارب او حتى الماره ..لكن لا احد ..فهي لا تملك مقومات الجمال من وجه او جسد ..ولكم عيناها غرقت دمعا من شعور الغربة التي تعيشها مع نفسها ..مما جعلها انطوائية ..قليلا هم اصدقائها الحقيقون امثال فرح .لكن كثيرون هم الذين يعرفونها بالاسم ..فقد سعت ان تكون لها سمعة طيبة في عملها ..فاخذت تتفانى فيه حتى اصبحت افضل ممرضه في المستشفى ..ومن هذا السبب اختارها دكتور فؤاد لتاديه مهمه عنايه غزوان رشيد .الذي الشاب الذي لم تراه حتى الان ..








يتبع ...............