الحكمة من إخفاء الله تعالى الغيب عن عباده
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فاعلم واعلمي أخي وأختي الكريمين أن علم الغيب مما استأثر الله به، ولم يجعل للخلق سبيلا للاطلاع عليه، فقد بين تعالى في هذه الآية وغيرها أنه هو المختص بعلم الغيب في السموات والأرض. وذكر هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{النمل:65} وقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ {الرعد:9} وقوله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وإاليه يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ {هود: 123} ، وقوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] {الأنعام:59}.
عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {الجنّ:26-27}. وقال في هذه الآية: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ{آل عمران: 179}وأما الحكمة من إخفاء الله تعالى الغيب عن عامة الناس فهي ذات أوجه عدة منها:؛ تحقيق اختصاص الله بالغيب وبقاء المكلفين في دائرة الامتحان والابتلاء إذ لو علموا الحقائق المستقبلية لتكاسلوا عن السعي والتسبب، ومنها أيضا: راحة قلوب العباد من هم ومكابدة مصير الأمور فلو علم الإنسان أنه سيموت بعد مائة سنة في الوقت الفلاني المحدد لما طاب له عيش. قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال:كذلك ما كان من شأن الله - سبحانه - أن يطلع البشر على الغيب، الذي استأثر به، فهم ليسوا مهيئين بطبيعتهم التي فطرهم عليها للاطلاع على الغيب، وجهازهم البشري الذي أعطاه الله لهم ليس "مصمما" على أساس استقبال هذا الغيب إلا بمقدار. وهو مصمم هكذا بحكمة. مصمم لأداء وظيفة الخلافة في الأرض.
الذي أقام الله به حجته، وهدى به أنبياءه ورسله وأتباعهم به، وامتن به عليهم فقال: �َرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَاو َ يُزَكِّيكم وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ* فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ] {البقرة:151- 152}وقال: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا {النساء:113} .وقال: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {آل عمران:164}وقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {الجمعة:2}والله أعلم