السؤال:
إن الله أعمى أبصار المشركين الواقفين حول بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة الهجرة حتى خرج من بينهم سالمًا، وإن العنكبوت نَسَجَتْ على الغار فلم يستطيعوا رؤيته؟ فهل هذا صحيح؟
الإجابة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المعجزات الحسية عامة ومعجزات الهجرة خاصة:
الناس في هذه القضية - قضية المعجزات المحمدية المادية - أصناف ثلاثة:
فالصنف الأول: يبالغ في الإثبات، وسنده في ذلك ما حوته الكتب، أيًا كانت هذه الكتب سواء كانت للمتقدمين أو المتأخرين، وسواء كانت تعني بتمحيص الروايات أم لا تعني، وسواء وافق ذلك الأصول أم خالفها، وسواء قبله المحققون من العلماء أم رفضوه. المهم أن يروي ذلك في كتاب وإن لم يعرف صاحبه، أو يذكر في قصيدة من قصائد المدائح النبوية، أو في قصة " مولد " التي يُتلى بعضها في شهر ربيع الأول من كل عام، أو نحو ذلك.
وهذه عقلية عامية لا تستحق أن تناقش، فالكتب فيها الغثّ والسمين، والمقبول والمردود، والصحيح والمختلق الموضوع.
وقد ابتليت ثقافتنا الدينية بهؤلاء المؤلفين الذين يتتبعون " الغرائب " ويحشون " بها بطون الكتب، وإن خالفت صحيح المنقول، وصريح المعقول.
وبعض المؤلفين، لا يعني بصحة ما يروي من هذه الأمور، على أساس أنها لا يترتب عليها حكم شرعي، من تحليل أو تحريم أو غير ذلك. ولهذا إذا رووا في الحلال والحرام تشددوا في الأسانيد، ونقدوا الرواة، ومحصوا المرويات . فأما إذا رووا في الفضائل والترغيب والترهيب . ومثلها المعجزات ونحوها، تساهلوا وتسامحوا.
ومؤلفون آخرون، كانوا يذكرون الروايات بأسانيدها، فلان عن فلان عن فلان - ولكنهم لا يذكرون قيمة هذه الأسانيد: أهي صحيحة أم غير صحيحة ؟ وما قيمة رواتها : أهم ثقات مقبولون أم ضعاف مجروحون، أم كذابون مردودون ؟ معتمدين على أنهم إذا ذكروا السند فقد أبرأوا أنفسهم من التبعة، وخلوا من العهدة.
غير أن هذا كان صالحًا وكافيًا بالنسبة للعلماء في العصور الأولى، أما في العصور المتأخرة - وفي عصرنا خاصة - فلم يعد يعني ذكر السند شيئًا . وأصبح الناس يعتمدون على النقل من الكتب، دون أي نظر إلى السند.
وهذا هو موقف جمهرة الكتاب والمؤلفين في عصرنا، حين ينقلون من تاريخ الطبري، أو طبقات ابن سعد أو غيرها .يبالغ في النفي والإنكار للمعجزات والآيات الحسية الكونية ، وعمدته في ذلك : أن معجزة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي القرآن الكريم وهو الذي وقع به التحدي: أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله.
ولما طلب المشركون من الرسول بعض الآيات الكونية تصديقًا له، نزلت آيات القرآن تحمل الرفض القاطع لإجابة طلباتهم . كما في قوله تعالى: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا . أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرًا . أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا وتأتي بالله والملائكة قبيلاً . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقي في السماء . ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابًا نقرؤه، قل: سبحان ربي، هل كنت إلا بشرًا رسولاً ؟) ) . سورة الإسراء 90 – 93:).
وفي موضع آخر، ذكر المانع من إرسال الآيات الكونية التي يقترحونها فقال: )وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة، فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا) . (سورة الإسراء( 59 :
وفي سورة أخرى، رد على طلب الآيات بأن القرآن وحده كاف كل الكفاية ليكون آية لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى ) :أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ؟ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) . (سورة العنكبوت(51: